فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

سورة التحريم:
{يا أيها النبي لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك تبْتغِي مرْضاة أزْواجِك والله غفُورٌ رّحِيمٌ}
وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى الغداة دخل على نسائهِ امرأة امرأة، وكان أهديت لحفصة بنت عمر عكّة عسل، فكان إذا دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسلِّما حبستهُ وسقته منها، وإنّ عائشة أنكرت احتباسهُ عندها؛ فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها: حصن: إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة فادخلي عليها وانظري ماذا يصنع، فأخبرتها الخبر وشأن العسل، فغارت عائشة وأرسلت إلى صواحبها فأخبرتهن وقالت: إذا دخل عليكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: إنّا نجد منّك ريح مغافير، وهو صمغ العرفط، كريه الرائحة، وكان رسول الله يكرهه.
قال: فدخل رسول الله على سودة، قالت: فما أردت أنْ أقول ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنّي فرقت من عائشة فقلتُ: يا رسول الله ما هذه الريح التي أجدُها منك؟ أكلت المغافير؟ فقال: «لا، ولكن حفصة سقتني عسلا». ثمّ دخل رسول على امرأة امرأة وهنّ يقلنّ له ذلك، ثمّ دخل على عائشة فأخذت بأنفها. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما شأنك؟»
قالت: أجدُ ريح المغافير، أكلتها يا رسول الله؟ قال: «لا؛ بل سقتني حفصة عسلا». قالت: حرست إذا نحلها العرفط، فقال لها صلى الله عليه وسلم: «والله لا أطعمهُ أبدا» فحرّمهُ على نفسه.
وقال عطاء بن أبي مسلم: إنّ التي كانت تسقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أُم سلمة.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن الحسن، حدّثنا علي بن الحسن، حدّثنا علي ابن عبد الله، حدّثنا حجّاج بن محمد الأعور عن ابن جريج قال: زعم عطاء أنّهُ سمع عبيد بن عمير قال: سمعتُ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها تخبر «أنّ رسول الله كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، قالت: فتواطأتُ أنا وحفصة أيّتُنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلنقل: إني أجدُ منك ريح مغافير، فدخل على احداهما، فقالت له ذلك، فقال: لا بل شربتُ عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له. فنزلت {يا أيها النبي لِم تُحرِّمُ...} الآيات».
قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم الأيام بين نسائهِ فلمّا كان يوم حفصة قالت: يا رسول الله، إنّ لي إلى أبي حاجة نفقة لي عندهُ، فأذنْ لي أنْ أزوره وآتي، فأذن لها، فلمّا خرجت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية أُم إبراهيم وكان قد أهداها المقوقس فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها، فأتت حفصة فوجدت الباب مُغلقا فحُبست عند الباب، فخرج رسول الله (عليه السلام) ووجههُ يقطرُ عرقا وحفصة تبكي، فقال: ما يُبكيكِ؟ قالت: إنّما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي، ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي، أما رأيت لي حُرمة وحقا؟ ما كنت تصنعُ هذا بامرأة منهنّ؟ فقال رسول الله (عليه السلام): «أليس هي جاريتي قد أحلّها الله لي؟ اسكتي فهي حرام عليّ ألتمس بذلك رضاكِ، فلا تخبري بهذا امرأة منهن هو عندك أمانة».
فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أُبشركِ أنّ رسول الله قد حرّم عليه أمته مارية، فقد أراحنا الله منها، فأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين، متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فغضبت عائشة فلم تزل بنبي الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها؛ فأنزل الله: {يا أيها النبي لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} يعني العسل ومارية.
وقال عكرمة: نزلت في المرأة التي وهبت نفسها للنبي عليه والسلام، ويُقال لها أُم شريك؛ فأبى النبي (عليه السلام) أن يصلها لأجل امرأته {تبْتغِي مرْضاة أزْواجِك والله غفُورٌ رّحِيمٌ}.
{قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ} أن تكفروها إذا حنثتم، وهي قولهُ في سورة المائدة.
{والله موْلاكُمْ وهُو العليم الحكيم} فأمرهُ أنْ يكفِّر حنثه، ويُراجع أمته. {وإِذْ أسرّ النبي إلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا} وهو تحريمهُ صلى الله عليه وسلم فتاته على نفسه، وقوله لحفصة: لا تخبري بذلك أحدا.
وقال الكلبي: أسرّ إليها أنْ أباكِ وأبا عائشة يكونان خليفتين على أُمتي من بعدي.
أخبرنا عبد الله بن حامد قراءة عليه، أخبرنا عمر بن الحسن، حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد، حدّثنا أُبي، حدّثنا حصين عن الحر المسلي عن خلف بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وإِذْ أسرّ النبي إلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا} قال: أسرّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر الخلافة بعده؛ فحدّثت به حفصة.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا نصر بن محمد بن شيرزاد، حدّثنا الحسن بن سعيد البزار، حدّثنا خالد بن العوام البزار، حدّثني فرات بن السائب عن ميمون بن مهران في قول الله تعالى: {وإِذْ أسرّ النبي إلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا} قال: أسرّ إليها أنّ أبا بكر خليفتي من بعدي.
{فلمّا نبّأتْ بِهِ} خبّرت بالحديث الذي أسرّ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها.
{وأظْهرهُ الله عليْهِ} اي وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أنّها قد نبّأت به.
وقرأ طلحة بن مصرف: {فلمّا أنبأت به} بالألف.
{عرّف بعْضهُ} قرأ علي وأبُو عبد الرّحمن والحسن البصري وقتادة والكسائي: {عرف} بالتخفيف.
أخبرنا محمد بن عبدوس، حدّثنا محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن الجهم، حدّثنا الفرّاء، حدّثني شيخ من بني أسد يعني الكسائي عن نعيم بن عمُرو عن عطاء عن أبي عبد الرّحمن قال: كان إذا قرأ عليه الرجل {عرّف} بالتشديد حصبه بالحصباء، ومعناه على هذه القراءة: عرف بعض ذلك ما فعلت الفعل الذي فعلته من إفشاء سِرّه أي غضب من ذلك عليها وجازاها به، من قول القائل لمن اساء إليه: لأعرفنّ لك بمعنى لأجازينّك عليه.
قالوا وجازاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنّ طلّقها، فلمّا بلغ ذلك عُمر قال: لو كان في آل عمر خير لما طلقك رسول الله شهرا، فجاءه جبرائيل (عليه السلام) وأمرهُ بمراجعتها، واعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا، وقعد في مشربة أُم إبراهيم مارية حتى نزلت آية التخيير، فقال مقاتل بن حيّان: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وإنّما همّ بطلاقها فأتاهُ جبرائيل (عليه السلام) فقال: لا تطلّقها؛ فإنّها صوّامة قوّامة، وإنّها من أحدى نسائك في الجنة، فلم يطلقها.
وقرأ الباقون: {عرّف} بالتشديد يعني: إنّهُ عرّف حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به، واختاره أبُو حاتم وأبُو عبيدة قال: لأنّه في التفسير أنّهُ أخبرها ببعض القول الذي كان منها، ومما يحقق ذلك قوله: {وأعْرض عن بعْضٍ} يعني: إنّه لم يعرّفها أياهُ ولم يخبرها به.
ولو كانت {عرّف بعْضهُ} مخففه لكان ضدّه وأنكر بعضا، ولم يقل أعرّض عنه.
قال الحسن: ما استقصى كريم قط، قال الله تعالى: {عرّف بعْضهُ وأعْرض عن بعْضٍ}.
قال مقاتل: يعني أخبرها ببعض ما قال لعائشة، فلم يخبرها بقولها أجمع، عرّف حفصة بعضهُ وأعرض عن بعض الحديث بأنّ أبا بكر وعمر يملكان بعدي.
{فلمّا نبّأها بِهِ} أي أخبر حفصة بما أظهره الله عليه.
{قالتْ منْ أنبأك هذا قال نبّأنِي العليم الخبير}.
{إِن تتُوبآ إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} أي زاغت ومالت واستوجبتما التوبة.
وقال ابن زيد: مالت قلوبهما بأن سرّهما ان يجتنب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته، وذلك لهما موافق فسرّهما ما كره رسول الله.
أخبرنا أبُو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون قراءة عليه، أخبرنا أبُو حامد أحمد بن محمد بن الحسن، حدّثنا محمد بن يحيى، حدّثنا عبد الرّزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا أنْ أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج رسول الله اللتين قال الله تعالى: {إِن تتُوبآ إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} حتى حج عمر وحججت معه، فلمّا كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلتُ معه بالأداوة فتبرّد ثم أتاني فسكبت على يديه، فتوضّأ فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: {إِن تتُوبآ إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما}. فقال عمر: واعجبا لك يا ابن عبّاس.
قال الزّهري: كره والله ما سأله ولم يكتمه ثمّ قال: هي حفصة وعائشة، ثمّ أخذ يسوق الحديث فقال: «كنّا معاشر قريش قوما نغلب النساء، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمْن من نسائهم.
قال: وكان منزلي في بني أُميّة بن زيد بالغوالي قال: فتعصّبتُ يوما على إمرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أنْ تراجعني فقالت: وما يُنكر أن أُراجعك؟ فوالله إنّ أزواج النّبي صلّى الله عليه ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعن رسول الله صلّى الله عليه؟ قالت: نعم، قلت: وتهجره إحداكنّ اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر، أفتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه فاذا هي قد هلكت.
لا تراجعي رسول الله صلّى الله عليه ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدالك ولا يغرنّك إنْ كانت جارتك هي أوسم وأحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة رضي الله عنها قال: وكان لي جارٌ من الأنصار، قال: كنّا نتناوب النزول إلى رسول الله (عليه السلام) فينزل يوما وأنزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، قال: وكنّا نتحدّث أنّ غسّان تفعل الحيل لتغزونا، فنزل صاحبي يوما ثم أتاني غشيان فضرب بابي، ثم ناداني فخرجت إليه فقال: حدث أمرٌ عظيم.
قلت: ماذا، أجاءت غسّان؟ قال: بل أعظم من ذلك طلق الرسول نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظنّ هذا كائنا، حتّى إذا صليت الصبح شددت عليّ ثيابي، ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلّقكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري هو معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلاما له أسود، فقلت: استأذن لعمر، فدخل الغلام ثمّ خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمتْ، فانطلقت حتّى أتيتُ المنبر فإذا حوله رهط جلوس بعضهم، فجلست قليلا ثمّ غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر فدخل ثّم خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فخرجت فجلست إلى المنبر ثمّ غلبني ما أجد فأتيت يعني الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثمّ خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمتْ، قال: فولّيت مدبرا، فاذا الغلام يدعوني فقال: أدخل فقد أذن لك، فدخلت فسلّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثّر في جنبه، فقلت: أطلّقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: لا.
فقلت: الله أكبر، ثم ذكر لهُ ما قال لامرأته وما قالت لهُ امرأته، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد دخلت عليّ حفصة وذكرت ما قلت لها. فتبسّم أُخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله؟ قال: نعم. فجلست فرفعت رأسي في البيت، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلاّ أهن ثلاثة، فقلت: يا رسول الله ادع الله تعالى أنْ يوسّع على أُمتك فقد وسّع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا ثم قال: أفي شكّ أنت يا ابن الخطاب، أولئك عُجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم ألاّ يدخل عليهنّ شهرا من شدة مُوجِدتِه عليهنّ حتى عاتبه الله تعالى»
.
قال الزهري: فأخبرني عُروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «فلمّا مضى تسع وعشرون ليلة على رسول الله بدأني، فقلت: يا رسول الله إنّك أقسمت أنْ لا تدخل علينا شهرا، وإنّك قد دخلت عن تسع وعشرين، أعدهنّ، قال: إن الشهر تسع وعشرون، ثم قال: يا عائشة إنّي ذاكر لك أمرا فلا عليك ألاّ تعجلي فيه حتى تسامري أبويك، قالت: ثم قرأ عليّ {يا أيها النبي قُل لأزْواجِك} [الأحزاب: 28] حتى بلغ ِ {وأجْرا عظِيما} [الأحزاب: 35] قالت عائشة: قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني وقيل: ليأمراني بفراقه فقلت: أفيْ هذا أتسأمر أبوي؟ فإنّي أريدُ الله ورسولهُ والدار الآخرة.
قالت عائشة: فقلت لهُ يا رسول الله لا تخبر أزواجك أني اخترتك فقال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنّما بعثني الله مبلِّغا ولم يبعثني متعنتا»
.
{وإِن تظاهرا} تعاونا على أذى النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء على الحذف واختاره أبُو عُبيد، وقرأ الباقون بالتشديد على الإدغام واختاره أبُو حاتم.
{فإِنّ الله هُو موْلاهُ} وليّه وحافظه وناصره.
{وجِبْرِيلُ وصالِحُ الْمُؤْمِنِين} قال المسيب بن شريك: هو أبُو بكر رضي الله عنه.
وقال سعيد بن جبير: عمر (رضي الله عنه)، عكرمة: أبُو بكر وعمر، يدلّ عليه ما أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا علي بن أحمد بن نصرويه، حدّثنا أبُو الحسن علي بن الحسن بن سليمان الباقلاني، حدّثنا أبُو عمار الحسين بن الحرث، حدّثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عزّ وجل: {وصالِحُ الْمُؤْمِنِين} قال: «إنّ صالح المؤمنين أبُو بكر وعمر» رضي الله عنهما.
أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا أبُو علي المقري، حدّثنا أبُو القاسم بن الفضل، حدّثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، حدّثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، حدّثني رجل ثقة يرفعه إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «في قوله الله تعالى: {وصالِحُ الْمُؤْمِنِين} هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه».
أخبرنا عبد الله بن حامد الوران، أخبرنا عمر بن الحسن، حدّثنا أحمد بن الحسن، حدّثنا أبي، حدّثنا حصين عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وصالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه».
وقال الكلبي: هُمْ المخلصون الذين ليسوا بمنافقين.
وقال قتادة والعلاء بن زياد العدوي: هم الأنبياء.
{والْملائِكةُ بعْد ذلِك ظهِيرٌ} أي أعوان، فلم يقل: صالحو ولا ظهرا، لأن لفظهما وأنْ كان واحدا فهو في معنى الجمع كقول الرجل: لا يُقرئني إلاّ قارئ القرآن، فهو واحد ومعناه الجمع؛ لأنّه قد أذن لكل قارئ القرآن أن يقرأه.
{عسى ربُّهُ إِن طلّقكُنّ أن يُبْدِلهُ أزْواجا خيْرا مِّنكُنّ مُسْلِماتٍ مُّؤْمِناتٍ قانِتاتٍ} داعيات، وقيل: مُصليات.
{تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ} يُسحن معه حيث ما ساح، وقيل: صائمات.
وقال زيد بن أسلم وأبنهُ ويمان: مهاجرات.
{ثيِّباتٍ وأبْكارا} والآية واردة في الإخبار، عن القدرة لا عن الكون في الوقت؛ لأنهُ تعالى قال: {إِن طلّقكُنّ} وقد علِم أنّهُ لا يطلقهنّ، وهذا قوله: {وإِن تتولّوْاْ يسْتبْدِلْ قوْما غيْركُمْ ثُمّ لا يكونوا أمْثالكُم} [محمد: 38] فهذا إخبار عن القدرة وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم {يا أيها الذين آمنُواْ قوا أنفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا} يعني: مروهم بالخير، وانهوهم عن الشر وعلّموهم وأدنوهم تقوهم بذلك نارا {وقُودُها الناس والحجارة عليْها ملائِكةٌ غِلاظٌ} فظاظ {شِدادٌ} أقوياء لم يخلق الله فيهم الرّحمة، وهم الزبانية التسعة عشر وأعوانهم من خزنه النّار.
{لاّ يعْصُون الله مآ أمرهُمْ ويفْعلُون ما يُؤْمرُون} {يا أيها الذين كفرُواْ لا تعْتذِرُواْ اليوم إِنّما تُجْزوْن ما كُنتُمْ تعْملُون} {يا أيها الذين آمنُواْ توبوا إِلى الله توْبة نّصُوحا} قراءة العامة بفتح النون على نعت التوبة.
وروى حماد ويحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم بضمِّهِ على المصدر، وهي قراءة الحسن.
قال المبرّد: أراد توبة ذات نصح، واختلف المفسِّرون في معنى التوبة النّصوح.
وقال عُمر وأُبي ومعاذ: التوبة النصوح أنْ يتوب ثم لا يعود إلى الذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضرع، ورفعهُ معاذ.
وقال الحسن: هي أنْ يكون العبد نادما على ما مضى، مجمعا على أنْ لا يعود فيه.
الكلبي: أن يستغفر باللسان، ويندمُ بالقلب، ويمسك بالبدن.
قال قتادة: هي الصادقة الناصحة.
سعيد بن جبير: هي توبة مقبولة، ولا تقبل مالم يكن فيها ثلاث: خوف أن لا تُقبل، ورجاء أن تقبل، وإدمان الطاعات.
سعيد بن المسيّب: توبة تنصحون بها أنفسكم.
القرظي: تجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والأقلاع بالأبدان، وإظهار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيّئ الخلاّن.
سفيان الثوري: علامة التوبة النّصوح أربع: القلّة، والعلة، والذلة، والغربة.
فضيل بن عياض: هي أن يكون الذنب نصب عينيه، ولا يزال كأنّهُ ينظرُ إليه.
أبُو بكر محمد بن موسى الواسطي: هي توبة لا لعقد عوض؛ لأن من أذنب في الدنيا لرفاهيّة نفسه، ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الآخرة فتوبته على حظ نفسه لا لله. أبُو بكر الورّاق: هي أن تضيق عليك الأرض بما رحبت، وتضيق عليك نفسك كتوبة الثلاثة الذين خلِّفوا.
أبُو بكر الرقاق المصري: ردّ المظالم واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات. رويم الرّاعي: هو أن تكون لله وجها بلا قفا كما كنت لهُ عند المعصية قفا بلا.
رابعة: توّبة لابيات منها.
ذو النون: علامتها ثلاث: قلة الكلام وقلة الطعام وقلة المنام.
سقيق: هي أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة، ولا ينفك من الندّامة، لينجو من آفاتها بالسّلامة.
سري السقطي: لا تصح التوبة النصوح إلاّ بنصحة النفس من المؤمنين؛ لأن من صحت توبته أحب أن يكون النّاس مثله.
الجنيد: هي أن ينسى الذنب فلا يذكره أبدا؛ لأن من صحت توبته صار محبّا لله، ومن أحب الله نسي ما دون الله.
سهل: هي توبة أهل السُنّة والجماعة لأنّ المبتدع لا توبة له، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب».
أبُو الأديان: هي أن يكون لصاحبها دمع سفوح، وقلب عن المعاصي جموع، فاذا كان ذلك فإنّ توبته نصوح، وأمارات التوبة منه تلوح.
فتح الموصلي: علامتها ثلاث: مخالفة الهوى، وكثرة البكاء، ومكابدة الجوع والظماء.
{عسى ربُّكُمْ أن يُكفِّر عنكُمْ سيِّئاتِكُمْ ويُدْخِلكُمْ جنّاتٍ تجْرِي مِن تحْتِها الأنهار يوْم لا يُخْزِى الله النبي والذين آمنُواْ معهُ نُورُهُمْ يسعى بيْن أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ} على الصراط.
{يقولون} إذا طفئ نور المنافقين.
{ربّنآ أتْمم لنا نُورنا واغفر لنآ إِنّك على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ} {يا أيها النبي جاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عليْهِمْ ومأْواهُمْ جهنّمُ وبِئْس المصير} ثمّ ضرب مثلا للصالحات، والصالحات من النساء فقال عزّ من قائل: {ضرب الله مثلا للذِين كفرُواْ امرأت نُوحٍ} واسمها واعلة وامرأة لوط واسمها واهلة. وقال مقاتل: والعدو والهة.
{كانتا تحْت عبْديْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحيْنِ فخانتاهُما} في الدين، وما بغت امرأة النّبي قط.
قال ابن عبّاس: ليس بخيانة الزّنا وهما (امرأتا) نوح ولوط (عليهما السلام) وإنّما خيانتهما أنّهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تخبر النّاس أنّه مجنون وتُطلع على سرّه، فاذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به. وأمّا امرأة لوط فكانت تدلّ قومه على أضيافه.
{فلمْ يُغْنِيا عنْهُما} مع توبتهما {مِن الله شيْئا وقِيل ادخلا النار مع الداخلين} يخوّف عائشة وحفصة رضي الله عنهما.
{وضرب الله مثلا للذِين آمنُواْ امرأت فِرْعوْن} وهي آسية بنت مزاحم.
قال المفسرون: لمّا غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون فلمّا تبيّن إسلامها وثبتت عليه أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس وأمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها، فلمّا أتوها بالصخرة {إِذْ قالتْ ربِّ ابن لِي عِندك بيْتا فِي الجنة} وأبصرت بيتها في الجنّة من دُرّة، وانتزع الله روحها، فألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح، فلم تجد ألما من عذاب فرعون.
وقال الحسن وابن كيسان: رفع الله امرأة فرعون إلى الجنّة فهي فيها تأكل وتشرب.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا علي بن عبدان، حدّثنا أبُو الأزهر، حدّثنا أسباط عن سُليمان عن أبي عثمان عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذّب بالشمس، وإذا انصرفوا عنها أظلّتها الملائكة وجعلت ترى بيتها في الجنّة.
{ونجِّنِي مِن فِرْعوْن وعملِهِ} أي دينه.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي سعيد، حدّثنا علي بن حرث، حدّثنا أبُو المنذر هشام بن محمد عن أبي صالح عن ابن عبّاس في قول الله تعالى: {ونجِّنِي مِن القوم الظالمين} الكافرين، قطع الله بهذه الآية طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره، وأخبر أنّ معصية الغير لا تضرّه إذا كان مطيعا.
{ومرْيم ابنت عِمْران التي أحْصنتْ فرْجها فنفخْنا فِيهِ مِن رُّوحِنا} أي في درعها، لذلك ذكر الكناية.
{وصدّقتْ} قراءة العامّة بالتشديد، وقرأ لاحق بن حميد بالتخفيف.
{بِكلِماتِ ربِّها} قراءة العامّة بالجمع.
وقرأ الحسن وعيسى والجحدري: الكلمة على الواحد يعنون عيسى (عليه السلام) {وكُتُبِهِ} قرأ أبُو عمر ويعقوب: {وكتبه}، على الجمع، وهي رواية حفص عن عاصم واختيار أبي حاتم قال: لأنّها أعم.
وقرأ الباقون: و{وكتابه}، على الواحد وهي اختيار أبي عبيد.
{وكانتْ مِن القانتين} المطيعين، مجازه: من القوم العابدين، ولذلك لم يقل قانتات، نظيره {يامريم اقنتي لِربِّكِ} [آل عمران: 43].
أخبرنا الحسن بن محمد، حدّثنا أحمد بن محمّد بن اسحاق السني ومحمد بن المظفّر قالا: حدّثنا علي بن أحمد بن سليمان، حدّثنا موسى بن سابق، حدّثنا ابن وهب أخبرني الماضي ابن محمد عن بردة عن مكحول عن معاذ بن جبل: «أنّ النبّي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي تجود بنفسها فقال: أكره ما نزل بك يا خديجة وقد جعل الله في الكره خيرا كثيرا، فإذا قدمت على ضرّاتك فأقرئيهنّ منّي السلام. قالت: يا رسول الله من هنّ؟ قال: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكليمة أو حليمة أُخت موسى». شكّ الراوي، فقالت: «بالرفاه والبنين».
أخبرنا الحسن بن محمد، حدّثنا عبد الله بن محمد بن شيبة، حدّثنا عبيد الله أحمد بن منصور الكسائي، حدّثنا محمد بن عبد الجبار المعروف بسندول الهمداني، حدّثنا أبُو أُسامة عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلاّ أربع: آسية بنت مُزاحم امرأة فرعون، ومريم أبنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وفضل عائشة على النّساء كفضل الثريد على سائر الطعام». اهـ.